لا أحد على "واتس آب" العائلة
بات شائعاً إنشاء ما يعرف بالمجموعات، التي صرنا نعرفها بالمفردة الإنجليزية «GROUP». قد تصحو في أي صباح لتجد نفسك قد ضممت إلى واحدة من هذه «الجروبات»، حتى دون أن يستشيرك مؤسسها في الأمر، لتنهال عليك الرسائل والفيديوهات والتعليقات. لكلِّ «جروب» هواه، بمعنى أنه يجمع بين المنضوين فيه ذاتَ الآراء والانتماءات، ربما حرصاً على تناغم أفراد المجموعة، وفي حال تعددت هذه الميول والتوجهات، فإن الاختلافات التي نعرفها في المجتمع حول القضايا المختلفة ستنتقل إلى «الجروب» المعنيّ، وقد تنشأ سجالات حادة داخله.
دعونا من هذا النوع أو ذاك من «الجروبات»، ولنركز على تلك التي تجمع بين أفراد العائلة، خاصة حين يكبر أفرادها عمراً ويزدادون عدداً، فيتزوج منهم من يتزوج، ويعيشون في أماكن مختلفة عن البيت الذي نشأوا فيه، ويخلفون أبناءً، هم بمثابة أحفاد للأكبر سناً من أفراد العائلة. في الأغلب فإن هذا النوع من «الجروبات» هو الأكثر حميميةً ودفئاً، ويشعر كل فرد بالألفة والقرب تجاه من هم معه، فما من أحد منهم بغريب، فهناك الأب والأم والأشقاء والشقيقات وأبناؤهم، وطبيعيّ أن عدد أفراد «الجروب» يزيد وينقص تبعاً لعدد أفراد العائلة.
علينا تخيّل أهمية التواصل العائلي بين الأقرباء والأحبة، حين يصبح أفراد العائلة موزعين على أكثر من بلد، وأحياناً على أكثر من قارة، خاصة بالنسبة للمنتمين لبلدان تعاني من حروب وأزمات ممتدة، فلا تتسع البلدان لأبنائها وبناتها، ويجدون أنفسهم محمولين على الهجرة لبلدان أخرى، قد تكون بعيدة جداً عن أوطانهم، كما باتت الحال عليه بالنسبة للكثير من العرب، وفي مقدمتهم الفلسطينيون، الذين طالت محنتهم حتى فاقت العقود السبعة، وبات من النادر أن تجد عائلة ملتمّة الشمل في مكان، فأفرادها موزعون على أراضي الله الواسعة، عربية قريبة كانت أو أجنبية نائية، وبطبيعة الحال فإن «واتس أب» وسواه باتت وسائل تواصل منتظم بين هؤلاء الموزعين بين الوطن والشتات، ولنا أن نتخيل كمّ القلق والخوف الذي يسكن البعيدين منهم في حال حدوث أي حرب أو مواجهة في الوطن حيث يقيم الكثير من أفراد عوائلهم، كما هي الحال الآن في غزّة.
لشرح هول هذه المشاعر وألمها يطول الحديث، لكن سنلخّص القول بحكاية أحمد، الفلسطيني المقيم في لندن. كان يطمئن على أفراد عائلته في غزة من خلال جروب «واتس آب»، وحين صحا في الرابعة فجراً ذات يوم، وجد «الجروب» صامتاً. اتصل بصديق له هناك فأبلغه الخبر الفاجع: كل أفراد العائلة قد قتلوا في غارة إسرائيلية دمّرت المبنى الذي يقع فيه سكنهم.
https://www.alkhaleej.ae/2023-11-07/%D9%84%D8%A7-%D8%A3%D8%AD%D8%AF-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D9%88%D8%A7%D8%AA%D8%B3-%D8%A2%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D8%A6%D9%84%D8%A9/%D8%B4%D9%8A%D8%A1-%D9%85%D8%A7/%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%A3%D9%8A-%D8%B2%D9%88%D8%A7%D9%8A%D8%A7